الخميس 18 رمضان 1445 - 28 مارس 2024
العربية

حكم الإنصات والكلام يوم الجمعة أثناء الخطبة

السؤال

ذهبت لصلاة الجمعة , ولكن كلما دخل مصلٍّ للمسجد ألقى السلام فرد عليه المصلون , حتى من كان يقرأ القرآن أيضاً , وعندما بدأت الخطبة دخل بعض المصلين وألقى السلام , فرد عليه الإمام بصوت منخفض ، فهل يجوز ذلك ؟.

الجواب

الحمد لله.

يجب على من حضر الجمعة أن ينصت للإمام وهو يخطب ، ولا يجوز له الكلام مع غيره ، حتى لو كان الكلام لإسكاته ، ومن فعل فقد لغا ، ومن لغا فلا جمعة له .

عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إذا قلت لصاحبك والإمام يخطب يوم الجمعة أنصت فقد لغوت ) . رواه البخاري ( 892 ) ومسلم ( 851 ) .

ويشمل المنع – كذلك – الإجابة عن سؤال شرعي ، فضلاً عن غيره مما يتعلق بأمور الدنيا .

عن أبي الدرداء قال : جلس النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر وخطب الناس وتلا آية وإلى جنبي أُبيّ بن كعب فقلت له : يا أُبيّ متى أنزلت هذه الآية ؟ فأبى أن يكلمني ثم سألته فأبى أن يكلمني حتى نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لي أبيٌّ : مالك من جمعتك إلا ما لغوت ، فلما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم جئته فأخبرته فقال : ( صدق أُبيّ ، إذا سمعت إمامك يتكلم فأنصت حتى يفرغ ) . رواه أحمد (20780) وابن ماجه (1111). وصححه البوصيري والألباني في " تمام المنة " ( ص 338 ) .

وهذا يدل على وجوب الإنصات وتحريم الكلام والإمام يخطب يوم الجمعة .

قال ابن عبد البر :

لا خلاف بين فقهاء الأمصار في وجوب الإنصات للخطبة على من سمعها .

" الاستذكار " ( 5 / 43 ) .

وقد شذ بعضهم وخالف في الوجوب . وليس لهم دليل يؤيد ما ذهبوا إليه .

قال ابن رشد – في حكم الإنصات في الخطبة - :

"وأما من لم يوجبه : فلا أعلم لهم شبهة إلا أن يكونوا يرون أن هذا الأمر قد عارضه دليل الخطاب في قوله تعالى : وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا أي : أن ما عدا القرآن فليس يجب له الإنصات ، وهذا فيه ضعف ، والله أعلم ، والأشبه أن يكون هــذا الحديث لم يصلهم" اهـ . " بداية المجتهد " ( 1 / 389 ) .

ويستثنى من ذلك : الكلام مع الإمام ، وكلام الإمام مع المأمومين للحاجة أو المصلحة .

عن أنس بن مالك قال : أصابت الناسَ سَنَةٌ (أي : قحط وجدب) على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فبينا النبي صلى الله عليه وسلم يخطب في يوم جمعة قام أعرابي فقال : يا رسول الله هلك المال وجاع العيال فادع الله لنا فرفع يديه ... فمطرنا يومنا ذلك ومن الغد وبعد الغد والذي يليه حتى الجمعة الأخرى وقام ذلك الأعرابي - أو قال غيره - فقال : يا رسول الله تهدم البناء وغرق المال فادع الله لنا فرفع يديه ... رواه البخاري ( 891 ) ومسلم ( 897 ).

وعن جابر بن عبد الله قال جاء رجل والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب الناس يوم الجمعة فقال أصليت يا فلان ؟ قال : لا ، قال : قم فاركع ركعتين . رواه البخاري ( 888 ) ومسلم ( 875 ) .

ومن استدل بمثل هذه الأحاديث على جواز كلام المصلين بعضهم مع بعض ، وعدم وجوب الإنصات فما أصاب .

قال ابن قدامة :

"وما احتجوا به : فيحتمل أنه مختص بمن كلم الإمام , أو كلمه الإمام ; لأنه لا يشتغل بذلك عن سماع خطبته , ولذلك سأل النبي صلى الله عليه وسلم " هل صليت ؟ " فأجابه ، وسأل عمرُ عثمانَ حين دخل وهو يخطب , فأجابه , فتعين حمل أخبارهم على هذا , جمعا بين الأخبار , وتوفيقا بينها , ولا يصح قياس غيره عليه ; لأن كلام الإمام لا يكون في حال خطبته بخلاف غيره" اهـ .

" المغني " ( 2 / 85 ) .

وأما تشميت العاطس ورد السلام والإمام يخطب ، فقد اختلف أهل العلم في ذلك .

قال الترمذي في " سننه " - عقب حديث أبي هريرة " إذا قلت لصاحبك ... " - :

اختلفوا في رد السلام وتشميت العاطس ، فرخص بعض أهل العلم في رد السلام وتشميت العاطس والإمام يخطب ، وهو قول أحمد وإسحاق ، وكره بعض أهل العلم من التابعين وغيرهم ذلك ، وهو قول الشافعي اهـ .

وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة (8/242) :

"لا يجوز تشميت العاطس ولا رد السلام والإمام يخطب على الصحيح من أقوال العلماء لأن كلاًّ منهما كلام وهو ممنوع والإمام يخطب لعموم الحديث" اهـ .

وجاء فيها أيضاً (8/243) :

"لا يجوز لمن دخل والإمام يخطب يوم الجمعة إذا كان يسمع الخطبة أن يبدأ بالسلام من في المسجد ، وليس لمن في المسجد أن يرد عليه والإمام يخطب" اهـ .

وجاء فيها أيضاً (8/244) :

لا يجوز الكلام أثناء أداء الخطيب لخطبة الجمعة إلا لمن يكلم الخطيب لأمر عارض" اهـ .

وقال الشيخ ابن عثيمين :

"السلام حال خطبة الجمعة حرام فلا يجوز للإنسان إذا دخل والإمام يخطب الجمعة أن يسلم ورده حرام أيضاً" اهـ .

فتاوى ابن عثيمين (16/100) .

وقال الشيخ الألباني :

فإن قول القائل : " أنصت " ، لا يعد لغة من اللغو ، لأنه من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ومع ذلك فقد سماه عليه الصلاة والسلام : لغواً لا يجوز ، وذلك من باب ترجيح الأهم ، وهو الإنصات لموعظة الخطيب ، على المهم ، وهو الأمر بالمعروف في أثناء الخطبة ، وإذا كان الأمر كذلك ، فكل ما كان في مرتبة الأمر بالمعروف ، فحكمه حكم الأمر بالمعروف ، فكيف إذا كان دونه في الرتبة ، فلا شك أنه حينئذ بالمنع أولى وأحرى ، وهو من اللغو شرعاً .

" الأجوبة النافعة " ( ص 45 ) .

والخلاصة :

أن الواجب على من حضر الجمعة أن ينصت للإمام ولا يجوز له أن يتكلم والإمام يخطب ، إلا ما استثناه الدليل من الكلام مع الخطيب ، أو الرد عليه ، أو ما دعت إليه الضرورة كإنقاذ أعمى من السقوط أو ما شابهه .

والسلام على الإمام ورده السلام مما يدخل في هذا المنع ، لأنه لم يرخص في الكلام مع الإمام إلا للمصلحة أو الحاجة ، وليس من ذلك السلام ورده .

قال الشيخ ابن عثيمين في "الشرح الممتع" (5/140) :

"لا يجوز للإمام أن يتكلم كلاما بلا مصلحة ، فلا بد أن يكون لمصلحة تتعلق بالصلاة أو بغيرها مما يحسن الكلام فيه ، وأما لو تكلم الإمام لغير مصلحة فإنه لا يجوز .

وإذا كان لحاجة يجوز من باب أولى ، فمن الحاجة أن يخفى على المستمع معنى جملة في الخطبة فيسأل ، ومن الحاجة أيضاً أن يخطئ الخطيب في آية خطأ يحيل المعنى ، مثل أن يسقط جملة من الآية أو ما أشبه ذلك .

والمصلحة دون الحاجة فمن المصلحة مثلا إذا اختل صوت مكبر الصوت فللإمام أن يتكلم ويقول للمهندس : انظر إلى مكبر الصوت ما الذي أخله ؟" اهـ .

والله تعالى أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: الإسلام سؤال وجواب